شهداء_أم_صميمة.. قناديل الخلود على درب الكرامة بقلم : عمر فانجوخ

في عمق رمال شمال كردفان وتحت لهيب الشمس ولهيب المعركة، سُطّر فجرٌ جديد في صفحة الكرامة السودانية. هناك حيث سقط الشهداء في معركة أم صميمة، لم يكونوا مجرد أرقام في سجلات الحرب، بل كانوا شموعاً أضاءت عتمة الطريق، وقد نطقت دماؤهم شعراً وكتبوا ببطولاتهم نشيدًا خالدًا للوطن. كان لسان حالهم يهمس:
> “بالخشوع المحض والتقديس والحبِّ المُقيم
واتِّضاعٍ كامل في حضرة الروح السَّماوي الكريم
التحياتُ لها…”
لقد تقدّموا صفوف الموت لا رغبةً فيه، بل احتسابًا له، حملوا في صدورهم الوطن كله، ومضوا بشرف كي يعود لأهله حراً عزيزاً. لم تزل خُطاهم تمشي فينا، في وجدان من عرفهم، ومن لم يعرفهم، لأن الروح لا تُقاس بالعُمر، بل بالأثر. كل شهيد في أم صميمة هو قصيدة لم تُكتب بعد، لكن تُتلى كل صباح على جبين الشمس:
> “ليتَ لي في الجمر والنيران وقفة
وأنا أشدو بأشعاري لها…”
هم شبابٌ لم يُمهَلوا ليعيشوا بهرج الدنيا، لم يعرفوا لذّة المال ولا طمأنينة المنازل، لكنهم ملكوا مجدًا لا يناله إلا المصطفون من عباد الله. حين احتدمت المعركة، وكان الخصم مباغتًا، سقط بعضهم سريعًا، ووقف الباقون كالسدّ المنيع، حتى تم استرداد الأرض والعِرض، لتُكتب الصفحة مجدداً، ويعلو صوت الكتائب ودماء البراء بن مالك فوق الضجيج.
> “فأنادي باسمها الحلو بلهفة
لك يا أمَّ السلامِ وهي ترنو لي وتصفو للتحية .. بابتسام
وجبيني في الرِّغام
التحياتُ الزكيات لها ، نفسٌ زكية
رسْمُها في القلب كالروض الوسيم…”
نعم، لم يرحلوا، بل صاروا جزءًا من تراب هذا الوطن، وسُقيا لكل حبة رمل فيه. قبورهم في عراء الله، لكنها أزهى من القصور، وأعطر من الحدائق، لأنها قبور عَبَر منها النور، نور الذين:
> “مضيتم فتركتم أثرًا.. نبشَ إسماعيلِ في القفر السَّحيق
يا أحبائي و يا نبضَ عُروقِي
كنتم القدوة بالحب الورِيق
فاهنأُوا أنتم كما نحن على ذاك الطريق.”
وها نحن اليوم، نقف على أطلال الفقد، لا لنرثيهم، بل لنُعاهدهم أن نكمل الدرب الذي عبدوه بدمائهم. هم فينا، أحياء عند ربهم يُرزقون، ونحن نستمد من وجع رحيلهم العزم والعزة.
فللشهداء كل التحايا، ولأرواحهم السلام، ولأم صميمة المجد والخلود.