مقالات

خريف الحسم مهند عوض محمود

يدخل السودان موسم الخريف هذا العام وسط توقّعات متزايدة بأن يشهد الميدان تطورات حاسمة في مسار العمليات العسكرية بين القوات المسلحة السودانية والقوات المساندة لها من جهة، ومليشيا الدعم السريع الإرهابية من جهة أخرى. ويمثل الخريف عنصراً مؤثراً نظراً لطبيعة الأرض وخطوط الإمداد وحركة المتحركات، إذ تتسبب الأمطار الغزيرة في امتلاء الوديان وتعطيل الحركة عبر الطرق الوعرة، الأمر الذي يقلّص قدرة المليشيا على المناورة في الخلاء ويجبرها على المرور عبر المدن والقرى والطرق الرئيسة.

كانت مليشيا الدعم السريع قد تبنّت في خريف العام الماضي استراتيجية توسيع نطاق انتشارها نحو المناطق الشرقية، وتمكّنت بالفعل من التوغّل إلى مناطق سنار وسنجة والدندر وبعض مناطق جنوب النيل الأزرق. ويعتقد أن ذلك كان بهدف فتح خط إمداد بديل عبر الأراضي الإثيوبية لتجاوز صعوبات الإمداد من غرب السودان عبر الحدود التشادية، والتي عادةً ما تتأثر بشكل كبير مع هطول الأمطار وإغلاق الطرق الطبيعية.

لكن هذه الخطة لم تكتمل كما أُريد لها، إذ لعبت الدبلوماسية السودانية دورا مهما في كبح أي دعم خارجي، حيث شهدت تلك الفترة زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى مدينة بورتسودان ولقاءه بقيادة الدولة السودانية. وأسهمت تلك التحركات في تأكيد التزام إثيوبيا بعدم السماح باستخدام أراضيها كممر للإمدادات العسكرية، الأمر الذي ضيق خيارات المليشيا وأفشل جانبا من مشروع التمدد في الشرق.

وقد ترافق ذلك مع ضربات دقيقة ومتواصلة من سلاح الجو السوداني فضلاً عن العمليات البرية، استهدفت تحركات المليشيا في تلك المناطق وقوّضت قدرتها على تثبيت وجودها وتأمين خطوط إمداد دائمة ، بل تم تحرير كافة تلك المناطق اضافةً إلى ولايتي الجزيرة والخرطوم وجزء من شمال ولاية النيل الأبيض.

اليوم، ومع بداية خريف جديد، من المتوقع أن تتعزز قدرة القوات المسلحة السودانية على فرض واقع ميداني مغاير، خاصةً مع تطور قدرات سلاح الجو السوداني الذي سيكون له اليد الطولى في رصد وتحييد أي تحرّك معادٍ يضطر للمرور في طرقات مكشوفة نتيجة تعذّر التحرك في المسارات الجبلية والوديان التي تغمرها المياه. ومن المرجّح كذلك أن يساهم توفر المعلومات الاستخبارية الميدانية، عبر القوات المساندة، في رفد العمليات بتقارير مصوّرة تعزّز من دقة الضربات الجوية وسرعة التعامل مع المتغيّرات على الأرض.

كما تكتسب جبهة الفاشر أهمية كبرى في هذه الفترة، إذ يمكن الرهان على أن الخريف الحالي سيكون بمثابة فصل حاسم لفك الحصار المضروب حول المدينة منذ شهور طويلة، وهو ما يعزز من فرص استعادة المبادرة وتضييق الخناق على المليشيا، سواء في الغرب الأقصى أو ما تبقى من مناطق كردفان الكبرى.

وفي خضم هذه التطورات، تتردّد في الساحة السياسية أصوات تدعو إلى وقف الحرب فورا دون أن تقدّم رؤية واضحة أو أجندة وطنية بديلة، وعلى رأس هؤلاء جماعة «الحرية والتغيير » التي ظلت تطلق دعوات فضفاضة لإيقاف الحرب دون تحديد آلية أو ضمانات لنزع سلاح المليشيا أو حسم حالة التمرّد. في المقابل، تظل الحكومة السودانية حريصة على التفاوض وفق شروط واضحة تضمن وحدة البلاد وأمنها، لكنها في ذات الوقت تؤكد أن وقف الحرب لا يمكن أن يتحقّق فعليًا إلا بعد حسم التمرد بالكامل أو استسلام قياداته ومن تبقى في صفوفه.

وأمام هذا المشهد، يتوجّه هذا المقال بنداء صادق إلى زعماء القبائل كافة، خاصة من المسيرية والمحاميد منهم ، والرزيقات والبني حسين والماهرية، وغيرهم من القبائل التي انخرط بعض أبنائها في صفوف المليشيا الإرهابية، بأن يدعوا أبناءهم للانسحاب الفوري من صفوف التمرّد وتسليم أنفسهم للقوات المسلحة السودانية، حماية لأرواحهم، وصونا لنسيج السودان الاجتماعي من الدمار والتمزق.

وهكذا يظل «خريف الحسم» اختبارا لإرادة الدولة والمجتمع معا، بين سماء تراقبها عيون الطائرات وأرضٍ تُحصّنها أقدام الجنود وأبناء القبائل الأوفياء، في انتظار يومٍ تنتهي فيه هذه الحرب، لا بدعوات جوفاء، بل بانتصار حاسم يُعيد للدولة هيبتها وللأرض أمنها.

 

نقلا عن “المحقق”

شاهد عيان

منصة شاهد عيان الإلكترونية من المبادرات الحديثة التي تهدف إلى تمكين المواطنين من المشاركة في توثيق الأحداث والظواهر الاجتماعية والبيئية في مجتمعاتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى