في كل أرضٍ وطِئَتها أقدامهم، سقط الضوءُ من نوافذ البيوت، وغابت الطمأنينة عن صدور الناس، وانطفأت أبسط أحلام المواطن في حياةٍ كريمة، لم ينجحوا يومًا في تطبيع الحياة المدنية، لا لأن الظروف خانتهم، بل لأنهم أنشأوا واقعًا لا يعيش فيه إلا الخوف، وينمو فيه الجوع كما تنمو الحفر في الطرقات المهجورة
كل مدينة دخلوها تحوّلت إلى مسرح للتعب والمرارة…
الناس فيها يمشون بحذر يُشبه خطوات الهاربين، لا يدرون أيّ لحظة تُصادر فيها أرواحهم أو أرزاقهم، الأموال تتبخر، الثمار تُنهب، والبيوت التي كانت عامرة بالضحكات صار صمتها يشبه المقابر
من بقي في تلك المدن ليس أمامه إلا ثلاثة مصائر:
إما عاجزٌ لا يملك جرأة النزوح ولا ثمن الطريق…
أو مُكرهٌ يحيا في مكان لم يعد يشبهه…
أو داعٍ لربه أن ينجّيه من هذا الظلام الدكتاتوري الذي يطبق على الروح قبل الجسد
هذه ليست مبالغة… هذه الحكاية المجردة.
وإن أردنا مثالًا واحدًا يختصر المأساة بلا شرح إضافي، فـ نيالا تكفي.
نيالا التي كانت مدينة التجارة والصوت العالي، مدينة الحروف التي تصرخ بالحياة، تحوّلت اليوم إلى مدينة تُدار من الخوف
الناس فيها يعيشون على ما تبقّى من ذاكرة أيامٍ آمنة، لا على واقع يضمن لهم الماء أو الدواء أو حق السير في الشارع دون أن يضع القلب يده على رقبته
في نيالا: الأمّ تفزع من صوتٍ عابر.
الطفل يحفظ طريق المخبأ أكثر مما يحفظ طريق المدرسة
الرجال ينتظرون اليوم التالي لا شوقًا، بل نجاة
والمواطن يعيش على الهامش… هامش الحياة، وهامش الأمان، وهامش الضوء
هكذا فشلوا…
فشلوا لأنهم لم يعرفوا أن المدن لا تُحكَم بالسلاح، بل بطمأنينة المواطن،
فشلوا لأنهم لم يدركوا أن قيمتهم لا تأتي من عدد البنادق، بل من عدد القلوب التي تأمن في ظلهم،
فشلوا لأنهم لم يفهموا أن الظلم ليس قوة، بل علامة سقوط آتٍ ولو تأخر،
وستظل نيالا وأخواتها شاهدة على ذلك:
أن من يستبيح مدينةً ولا يستطيع إعادة الحياة فيها… ليس حاكمًا، بل عابر خراب
وستنهض المدن يومًا…
فالحقيقة تقول دائمًا:
إن الظلام مهما طال، لا يستطيع أن ينتصر على فجرٍ واحد











Leave a Reply