واشنطن تلاحق ميليشيات الذهب والكوبالت: من دارفور إلى الكونغو في مرمى التصنيف الإرهابي د. عبدالناصر سلم حامد

على أطراف الفاشر، يقف الطبيب “آدم” في غرفة عمليات ضيقة بمستشفى ميداني، يحاول إنقاذ شاب أصيب في قصف على السوق. شح المياه وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة يجعل كل عملية جراحية مغامرة. منذ شهور، تخضع المدينة لحصار محكم تفرضه قوات الدعم السريع، فتغدو كل شحنة دواء أو غذاء حدثًا نادرًا.
في الطرف الآخر من القارة، وفي قرية نائية بإقليم كيفو الشرقي، تجلس “ماريان” قرب منجم للكوبالت، تحدق في بوابة يسيطر عليها مسلحو حركة M23. قبل عام، كانت تعمل فيه، أما الآن فلا تملك سوى قطعة أرض صغيرة تزرعها بعد أن فُرضت رسوم باهظة على الدخول.
المشهدان، رغم آلاف الكيلومترات بينهما، يتقاطعان في أروقة الكونغرس الأمريكي، حيث يناقش المشرعون تعديلًا على قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2026 (NDAA) يطالب وزارة الخارجية الأمريكية بإجراء تقييم رسمي لما إذا كانت قوات الدعم السريع في السودان وحركة M23 في الكونغو تستوفيان معايير التصنيف كـ “منظمات إرهابية أجنبية” وفق القسم 219 من قانون الهجرة والجنسية الأمريكي.
هذا الإجراء لا يعني التصنيف الفوري، لكنه يمهّد له، إذ يمنح الخارجية الأمريكية مهلة لتقديم تقرير إلى الكونغرس، يتضمن تقييمًا قانونيًا وأمنيًا وسياسيًا. وإذا ثبتت الشروط، فإن التصنيف يجرّم تقديم أي دعم مادي أو مالي، ويجمّد الأصول، ويمنع التعاملات المالية الدولية، ويسمح بالملاحقة القضائية حتى خارج الأراضي الأمريكية.
قوات الدعم السريع، التي تأسست عام 2013 من بقايا الجنجويد، تعتمد على تجارة الذهب التي وفرت للسودان نحو 1.5 مليار دولار من الصادرات حتى أكتوبر 2024، مع شبكة تهريب معقدة مرتبطة بجهات إقليمية. أما M23، فقد ظهرت عام 2012 بعد انهيار اتفاق سلام، وسيطرت على مناطق غنية بالمعادن، خصوصًا الكوبالت، الذي تمثل الكونغو مصدره لأكثر من 70% من الإمدادات العالمية.
تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة (ديسمبر 2024) أشار إلى أن قوات الدعم السريع تسيطر على طرق إمداد استراتيجية في دارفور عبر تحالفات قبلية وشبكات تهريب عابرة للحدود، بينما توسع M23 نفوذها على المعابر الحيوية في شرق الكونغو بدعم لوجستي من أطراف إقليمية.
في واشنطن، لا ينفصل هذا الملف عن سباق النفوذ العالمي. الذهب السوداني والكوبالت الكونغولي موارد استراتيجية تدخل في صناعة التكنولوجيا والطاقة النظيفة. السيطرة عليهما تمنح أوراق ضغط جيوسياسية كبرى، خاصة في ظل المنافسة مع الصين وروسيا اللتين تسعيان لتأمين حصص أكبر من هذه الموارد. الجمهوريون، خاصة في لجنتي العلاقات الخارجية والقوات المسلحة، يدفعون نحو التصنيف الكامل، معتبرين أنه أداة ردع قوية. أما الديمقراطيون فيحذرون من أن التصنيف الفوري قد يعقّد القنوات الدبلوماسية مع شركاء إقليميين مثل الإمارات ورواندا، ويفتح المجال أمام تحالفات مضادة.
الانتخابات النصفية المقررة في نوفمبر 2026 ستكون عاملًا حاسمًا. فإذا سيطر الجمهوريون على مجلسي الكونغرس، يرجّح تسريع التصنيف، أما إذا احتفظ الديمقراطيون بنفوذهم، فسيستمر نهج العقوبات التدريجية مع إبقاء خيار التصنيف لاحقًا.
تجارب سابقة، مثل تصنيف حركة الشباب (2008) وبوكو حرام (2013)، أظهرت أن التصنيف يضعف التمويل الخارجي لكنه لا ينهي التهديد. إلا أن حالة الدعم السريع وM23 تختلف، لأنهما مرتبطتان بأسواق عالمية للذهب والكوبالت، ما قد يجر تدخل قوى اقتصادية كبرى لتأمين مصالحها.
المعطيات الحالية تشير إلى أن الإدارة الأمريكية ستتجه إلى عقوبات موسعة دون تصنيف فوري، للحفاظ على هامش مناورة مع الحلفاء الإقليميين، مع إبقاء التصنيف كورقة ضغط مستقبلية إذا لم يتغير سلوك المجموعتين. هذا التحرك الأمريكي ليس مجرد رد فعل على انتهاكات حقوق الإنسان، بل جزء من معركة أوسع للسيطرة على الموارد الإستراتيجية في إفريقيا. إنه تقاطع بين مكافحة الإرهاب وتأمين سلاسل الإمداد العالمية، وسؤال المستقبل هو: هل ستنجح هذه السياسة في تغيير المشهد الميداني، أم ستظل القرارات حبرًا على ورق