مقالات

نقطة إرتكاز د.جادالله فضل المولي يكتب: السودان الجريح: والضمير الدولي في إجازة مفتوحة؟

في عالمٍ يُقاس فيه الألم بموقعه على الخريطة، يبدو أن السودان قد وُضع في زاوية منسية، لا تهم أحداً، لا تُحرّك ضميراً، ولا تُستدعى لها مؤتمرات طارئة. فبينما تُشعل الحروب في أماكن أخرى وتُطفأ بسرعة البرق، يظل السودان ينزف منذ أكثر من عامين، دون أن يُحرّك العالم ساكناً.

في الثالث عشر من يونيو عام ٢٠٢٥م، اندلعت الحرب بين إسرائيل وإيران، حربٌ حبست أنفاس العالم، لكنها لم تلبث أن استمرت اثني عشر يوماً فقط، قبل أن تتدخل الولايات المتحدة وتوقفها. وفي السابع من مايو من نفس العام، اشتعلت الحرب بين الهند وباكستان، وما أن مالت الكفة لصالح باكستان، حتى تدخلت واشنطن مجدداً، وخلال خمسة أيام فقط، تم التوصل إلى وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية مباشرة.

أما السودان، فقد بدأت حربه في الخامس عشر من أبريل عام ٢٠٢٣م، حربٌ لم تُشعلها خلافات داخلية، بل تورطت فيها دول إقليمية، وعلى رأسها حكومة أبوظبي، التي دعمت المليشيات بالسلاح والعتاد، بمباركةدول أفريقية وعربية وأوروبية. حربٌ استمرت لعامين وأربعة أشهر ولا يزال العالم يتفرج، ولا يزال الضمير الدولي في المشرحة، لا يتحرك، لا يتكلم، لا يُدين.

لماذا هذا التواطؤ؟ لماذا هذا الصمت؟ لماذا تُطفأ الحروب في أيام حين تقع في مناطق النفوذ، بينما تُترك لتشتعل في السودان حتى تحرق كل شيء؟ هل لأن السودان لا يملك ما يُغري؟ أم لأن الدم السوداني لا يُحسب في ميزان الإنسانية؟ أم لأن الخرطوم ليست على خارطة المصالح الغربية؟

السودان لا يطلب شفقة، ولا يستجدي تدخلاً، لكنه يصرخ في وجه العالم لماذا هذا التجاهل؟ لماذا هذا التمييز في قيمة الأرواح؟ لماذا تُحسب المآسي وفقاً لجواز السفر؟ هل أصبح السوداني مجرد رقم في تقارير المنظمات الدولية ، يُعد ولا يُحزن عليه؟

الدم السوداني ليس رخيصاً، بل هو أغلى من كل صفقات السلاح التي تُبرم في الظلام، أغلى من كل المصالح التي تُباع على حسابنا، أغلى من كل صمت يُلبس ثوب الحياد وهو في جوهره خيانة. وإن كان العالم قداختار أن يتفرج فإن التاريخ لن ينسى،

والسماء لن تسامح، والشعب السوداني لن يغفر.

السودان الجريح يصرخ، فهل من يسمع؟ أم أن الضمير الدولي قد دخل في سبات عميق، لا توقظه إلا مصالحه؟ إن لم يكن الدم السوداني كافياً لتحريككم، فماذا تنتظرون؟ أن تُمحى أمة كاملة كي تكتبوا بياناً؟ أن تُدفن حضارة كي تُصدروا قراراً؟ أن تُغتال الإنسانية كي تتحركوا؟.

السودان لا يُكسر، وإن تألم. لا يُهزم، وإن نزف. لا يُنسى، وإن تجاهلتموه. فاحذروا صمته، لأنه إذا نطق، لن يُبقي على أحد.حفظ الله السودان وشعبه من كل فتنة ومن كل طامع في أرضه وكرامته.

شاهد عيان

منصة شاهد عيان الإلكترونية من المبادرات الحديثة التي تهدف إلى تمكين المواطنين من المشاركة في توثيق الأحداث والظواهر الاجتماعية والبيئية في مجتمعاتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى