مقالات

نقطة إرتكاز د.جادالله فضل المولي يكتب:كيلو ذهب مقابل موتك!

 

في قلب مدينة الفاشر، حيث الموت يطوف بالشوارع، تتكشّف خيوطٌ جديدةٌ من الخداع الذي تمارسه قيادات مليشيا الدعم السريع على أفرادها. أحد الأسرى الذين وقعوا في قبضة الجيش السوداني كشف عن روايةٍ تقشعر لها الأبدان: قادة المليشيا أوهموا الجنود بوجود اثني عشر طناً من الذهب داخل مقر الفرقة السادسة بالفاشر، وأقسموهم على المصحف ألا يأخذ الفرد أكثر من كيلو واحد، وكأنهم يوزّعون الغنائم لا يرسلونهم إلى الموت.

هكذا يُساق الشباب إلى المعارك، لا عن عقيدةٍ ولا عن قضيةٍ، بل عن طمعٍ زُرع في نفوسهم، وخديعةٍ نُسجت بعنايةٍ على يد من لا يعرفون للرحمة طريقاً. هؤلاء ليسوا مقاتلين، بل ضحايا، مغرّرٌ بهم، يُدفعون إلى خطوط النار وهم يظنون أنهم يطاردون كنزاً، بينما الحقيقة أنهم يُدفنون كأرقامٍ مجهولةٍ في ترابٍ لا يذكرهم.

مدينة الفاشر تحوّلت إلى مقبرةٍ جماعيةٍ، والجنود يتساقطون كأنهم جرادٌ أُطلق في موسمٍ خاطئ. لا أحد يسأل لماذا يقاتلون، ولا أحد يجرؤ على الاعتراف بأنهم خُدعوا، وأن موتهم لم يكن من أجل الوطن، بل من أجل وهمٍ صاغه تجار الحرب.

إلى متى يستمر هذا الخداع؟ إلى متى يُستخدم أبناء السودان وقوداً لحربٍ لا يعرفون سببها؟ أليس فيكم رجلٌ رشيدٌ يوقف هذا النزيف؟ أليس فيكم من يرفع المصحف ليقسم على إنقاذ الأرواح لا على اقتسام الذهب؟

إن ما يحدث في الفاشر ليس مجرد معركةٍ عسكريةٍ، بل انهيارٌ أخلاقيٌ كاملٌ، حيث يُستغل الدين لتبرير الطمع، ويُستخدم القسم لتغليف الخيانة. هؤلاء الجنود الذين يُقسمون على ألا يأخذوا أكثر من كيلو ذهب، لا يعلمون أنهم لن يأخذوا شيئاً سوى حفنةٍ من التراب، وأنهم لن يعودوا إلا في صورٍ باهتةٍ على صفحاتٍ منسية.

السودان لا يحتاج إلى مزيدٍ من القتلى، بل إلى صحوةٍ وطنيةٍ تُعيد للناس وعيهم، وتُعيد للجنود كرامتهم، وتُعيد للمعركة معناها الحقيقي. فالوطن لا يُبنى على الذهب، بل على الحق، ولا يُحمى بالخداع، بل بالصدق، ولا ينتصر بالدم، بل بالعدل.

هذا هو وقت الحقيقة، لا وقت الشعارات. هذا هو وقت أن نقول: كفى. كفى موتاً، كفى خداعاً، كفى استغلالاً. وليكن هذا المقال صرخةً في وجه من يظنون أن الذهب أغلى من الأرواح، وأن القسم على المصحف يُغني عن القسم على الوطن.

حفظ الله السودان وشعبه من كل فتنة ومن كل طامع في أرضه وكرامته.

شاهد عيان

منصة شاهد عيان الإلكترونية من المبادرات الحديثة التي تهدف إلى تمكين المواطنين من المشاركة في توثيق الأحداث والظواهر الاجتماعية والبيئية في مجتمعاتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى