في يوم السبت، ينهض الناس كما لو أنّ الوطن نفسه يستنهضهم من أعماق قلوبهم، نخرج لا بحثًا عن مشهدٍ عابر، ولا طلبًا لصوتٍ يعلو بين الحشود ، بل نخرج لأنّ هناك شيئًا في صدورنا يأبى أن يترك هذه الأرض تمضي وحدها في ليلها الطويل، نخرج لنقول للوطن، بصدقٍ لا يشوبه ضعف: لن نتركك مهما اشتد الألم، ولن نقف متفرجين على جراحك التي تنادى أبناءها
الخطوات التي تمضي نحو الموكب ليست أقدامًا فحسب، بل هي وفاءٌ كُتب في الضمير قبل أن يُكتب على الطرقات، هو وعدٌ قديم، ظلّ حيًا فينا ما دامت هناك راية ترتفع ودمعة تُمسح ودماءٌ طاهرة تطلب أن تبقى الأمانة في أيدٍ لا تخون
ولأنّ دماء الشهداء ليست خبرًا يُروى، ولا ذكرى تُطوى، فإنها تُصبح أمانة في رقابنا، أمانة تجعل صمتنا جريمة، وتُحوّل خروجنا إلى واجب لا يستقيم الشرف بدونه، في هذا السبت، نقف مع أنفسنا قبل أن نقف مع غيرنا، فنستعيد ذلك العهد الذي لم نُحسن يومًا التنصّل منه: أن قلوبنا مهما أثقلها الوجع ما زالت تقاتل، وما زال فيها نبضٌ ينتصر للوطن كلما حاول السقوط
نخرج لأنّ الوطن ينادينا، نداءٌ لا يسمعه إلا من بقي شيء من النقاء في صدره، نداء يشبه آخر صرخة يستغيث بها جريح يخشى أن يتركه أحبّته، وكيف يمكن لأحرار هذه الأرض أن يخذلوا وطنًا علّمهم معنى الكرامة؟ في هذا اليوم، نرفع راية الكرامة كي تبقى الأرض واقفة، مهما مالت عليها الرياح، ومهما اشتدّ حولها الظلام
وموكب السبت ليس حشدًا من الناس، بل صرخة حقّ في وجه الوجع والخراب، صرخة ترفض أن تُترك البلاد نهبًا للتمزّق، نخرج لنعيد للوطن نبضه الذي كاد يخبو، فنكون له نبضًا جديدًا، وذراعًا تسنده، وصوتًا يعيد إليه قوّته حين يُثقل عليه النزيف
السبت هو موعد الذين لم يتخلّوا يومًا عن شرف الانتماء، هو لحظة يثبت فيها كل ابنٍ لهذا الوطن أنّ الحبّ ليس شعارًا، بل فعلًا، وخطوة، ووقفة، وسطرًا آخر يكتبه التاريخ في صفحة هؤلاء الذين لم يخذلوا أرضهم
نخرج… لأنّ الوطن لا يحيا إلا بمن أحبّوه صدقًا، ومن وجدوا في خدمته عزّهم، وفي الوقوف معه خلاصهم، وفي نصرته معنى وجودهم كله
هذا السبت… ليس يومًا عاديًا. إنه الامتحان الأخير لصدق القلوب، والنداء الأخير لمن بقي في صدره شيء من نور الوطن.











Leave a Reply