مقالات

«عقدة أم صميمة: كيف أغلق الجيش والقوات المشتركة ثغرة الغرب؟» بقلم: عبدالناصر سلم حامد باحث في إدارة الأزمات ومكافحة الإرهاب

مع ساعات الفجر الأولى لهذا اليوم، استعادت القوات المسلحة السودانية والقوات المشتركة السيطرة الكاملة على قرية أم صميمة، بعد معركة كرّ وفرّ استمرت لساعات على محاور الإمداد غرب مدينة الأبيض. قد تبدو هذه القرية صغيرة على خارطة كردفان، لكنها تحوّلت منذ أسابيع إلى عقدة نارية يتحكم بها من يريد الإمساك بمفتاح خطوط الإمداد بين الأبيض وعمق غرب كردفان ودارفور. ولهذا جاء طرد المليشيا منها ليغلق الباب أمام أكبر ثغرة حاولت أن تتحوّل إلى ممر مفتوح نحو قلب المدينة.

منذ بداية التصعيد في هذا المحور، حاولت قوات الدعم السريع تحويل أم صميمة إلى نقطة قطع (Interdiction Point) عبر أسلوب الكرّ والفرّ، مستفيدة من الطبيعة الزراعية والمسارات الترابية المفتوحة التي تجعلها أرضًا مثالية للتسلل ونصب الكمائن. فالقرية تقع مباشرة على أحد أهم محاور الإمداد الرئيسة (MSR – Main Supply Routes) التي تنقل الإمداد العسكري من الأبيض إلى الوحدات المنتشرة غربًا، ما يجعلها عنصرًا حاكمًا في حماية «الخاصرة الغربية» للعاصمة الإدارية لكردفان.

وتشير تقديرات ميدانية إلى أن قوات الدعم السريع تعتمد حاليًا على جيوب متنقلة صغيرة غرب الأبيض، خاصةً في نطاق خور أبو حبل وسراج وبعض القرى الريفية المفتوحة التي توفّر غطاءً طبيعيًا لعربات الكرّ والفرّ. ولا يوجد لها أي تمركز ثابت داخل مدينة الأبيض نفسها، إذ تبقى المدينة تحت سيطرة الجيش والقوات المشتركة بالكامل، مدعومةً بشبكة رصد أهلي تحاصر أي مسارات تسلل محتملة.

لكن الرد جاء سريعًا ومنسقًا. ومع بدء التسلل الأخير الذي استمر لساعات، تحركت القوات المشتركة جنبًا إلى جنب مع وحدات الجيش، ونفذت عمليات تمشيط وتأمين مكثف لإغلاق المسارات الخلفية التي حاولت المليشيا استغلالها. يقول ضابط ميداني شارك في استعادة أم صميمة صباح اليوم: «لم تكن معركة عادية. هذه طبيعة مفتوحة لا يحسمها السلاح وحده بل سرعة المناورة والمعلومة. من يفهم المزارع يعرف كيف يغلق الثغرة قبل أن تتحوّل إلى خنجر في ظهر الأبيض.»

وبحسب تقديرات عملياتية، فإن استمرار فقدان أم صميمة لأيام كان سيهدد ما لا يقل عن نصف مرونة الإمداد غرب الأبيض، ويمنح المليشيا فرصة أكبر لإرباك الحزام الدفاعي ونشر حرب نفسية تقول إن الطريق صار مفتوحًا. لكن تحرك القوات المشتركة مع وحدات الجيش أبطل هذا السيناريو بسرعة وأعاد تثبيت الخطوط الدفاعية الأمامية (Forward Defensive Line) وخطوط الإنذار المبكر.

ولفهم هذه الأهمية، من الضروري إدراك البُعد الجغرافي للقرية بدقة: تقع أم صميمة على بُعد يقدّر بحوالي 25 إلى 35 كيلومترًا غرب مدينة الأبيض، متصلة بشبكة مسارات ريفية وزراعية تمر بخور أبو حبل وسراج وغيرها من القرى الحاكمة. وبالنظر إلى المدى الفعّال للهاونات والمدفعية المقطورة، تظل هذه المسافة خارج نطاق القصف المباشر الذي قد تصل إليه قذائف الهاون أو المدفعية التقليدية. أما القصف الصاروخي بعيد المدى — مثل راجمات BM-21 — فقد يكون ممكنًا نظريًا إذا توفّرت قاعدة ثابتة، لكن طبيعة المنطقة المفتوحة وسهولة رصدها جوًا وبريًا تجعل من ذلك خيارًا صعبًا ومكلفًا.

لذلك ظل التهديد الحقيقي دائمًا ليس في إمكانية قصف الأبيض من أم صميمة، بل في استغلالها كنقطة خنق لوجستي تهدد طرق الإمداد وتبث رسائل دعائية للضغط النفسي. هنا برز دور الاستخبارات البشرية (HUMINT) التي جعلت من الأهالي شبكة إنذار حقيقية كشفت التحركات مبكرًا. يقول أحد وجهاء المنطقة: «القرية لا يحميها السلاح وحده. الناس هنا هم العيون التي ترى قبل أن يصل العدو.»

بهذا التماسك تحوّلت أم صميمة إلى حلقة متينة داخل حزام دفاعي متدرّج (Zone of Control) يطوّق الأبيض من الغرب ويمتد حتى حزام كردفان الكبرى وامتداد دارفور. من خور أبو حبل وحتى سراج وغيرها، كل نقطة هي عقدة حيوية: إذا سقطت واحدة انفتح الطريق، وإذا صمدت أُغلق أمام كل محاولة تسلل أو تحشيد.

ومع إعادة السيطرة عليها خلال ساعات قليلة من التسلل، تأكدت مرة أخرى معادلة الردع العملياتي: أن أي ثغرة تُفتح ستُغلق بسرعة حين يعمل الجيش والقوات المشتركة كتلة واحدة ومعهم عيون الناس.

🇸🇩 «هنا نقاتل كتفًا بكتف. الأرض لا تحرسنا وحدها… نحن من نحرسها.» — عبارة قالها أحد الجنود عند تخوم أم صميمة لتلخّص الدرس.

وهكذا تُثبت عقدة أم صميمة أن من يحمي القرى الصغيرة يحمي المدن الكبيرة، ومن يفهم تضاريس الريف يُغلق أي ثغرة قبل أن تتحوّل إلى خطر.
نصر الله قواتنا المسلحة والقوات المشتركة وكل الأجهزة النظامية الأخرى التي تقاتل ببسالة ومهنية عالية وتحمي ظهر الوطن من خاصرته المفتوحة. وتبقى مدينة الأبيض آمنة بخطوط دفاعها الراسخة، ورجالها فيها معنوياتهم عالية لا تهتز، ما دام ظهرها محروسًا بعيون الساهرين من أبناء كردفان

شاهد عيان

منصة شاهد عيان الإلكترونية من المبادرات الحديثة التي تهدف إلى تمكين المواطنين من المشاركة في توثيق الأحداث والظواهر الاجتماعية والبيئية في مجتمعاتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى