سارة الطيب تكتب… زمزم… الرد سيأتي من فوق سبع سماوات

بالله عليكم، لماذا كل هذا الإصرار على مضاعفة أوجاع الأبرياء في معسكر زمزم؟
ما كل هذه الوحشية ضدهم؟ أيُّ دينٍ في الكون، أيُّ معتقدٍ فاجر، أيُّ قلبٍ أو عقل، بل أيُّ جنونٍ يدفعكم لسحق المطحونين وفتح أبواب الجحيم عليهم؟
أي مكسب تنتظرونه؟ وأي جائزة ترجونها؟
إنّ ما يحدث في معسكر زمزم للنازحين، لا يوجد له وصفٌ في قواميس البشرية. هو مشهد يتجاوز طاقة البشر على الفهم، وعلى الاحتمال.
زمزم لم يعد مجرد اسم في خريطة النزوح، بل صار شاهدًا حيًا على واحدة من أبشع فصول المأساة السودانية في القرن الحادي والعشرين.
ما يجري هناك ليس عارضًا، بل امتدادٌ لنهجٍ ممنهج من القتل والإبادة والترويع.
بشرٌ يُسحقون، حجرٌ يُستباح، ولا أحد في مأمن: لا شيخٌ، ولا امرأة، ولا طفل، ولا عجوز.
لقد تحوّل معسكر زمزم من محطةٍ للنجاة إلى عنوانٍ للمأساة. الجنجويد ومن حالفهم لم يكتفوا بخرق كل قوانين الحرب، بل صفّوا النساء وكبار السن، عزّلًا لا ذنب لهم سوى أنهم يحملون ملامح السودان الذي لا يريدونه. فعلوا ذلك أمام مرأى ومسمع العالم، في صمتٍ دولي يُشبه التواطؤ أكثر مما يُشبه العجز.
هذه المأساة لم تبدأ في زمزم وحده، بل منذ أن اندلعت شرارة الحرب قبل عامين، حين غطّت سحابة الموت سماء السودان بأكملها: من الخرطوم إلى الجزيرة، من النيل الأبيض إلى سنار، ومن كردفان إلى دارفور.
كأنّ الوطن كلّه كان هو الهدف، والقتل مشروعٌ طويل الأمد.
أما أصوات النساء في زمزم، فتبقى غائبة عن الشاشات. أصوات المكلومات والمنكوبات لا تصل، ومن تُصفّى في صمت، لا تجد من ينقل نحيبها، ولا من يُقيم مأتمًا لعينيها المفتوحتين على قسوة هذا العالم.
د. هنادي، أيقونة مقاومة الفاشر، وقفت شامخةً في وجه الجنجويد. أصيبت أمام أعين الجميع، لا لشيء، سوى أنها آمنت بالحق، ونادت بالحياة في وجه الموت.
حين تُسحق النساء تحت أنقاض الحروب، تُدفن معهنّ فرص السلام.
وهذا ليس مجرد قول، بل هو واقع زمزم اليوم:
كل امرأة تُغتَصَب، كل أم تُفجَع، كل طفلة تُشرَّد، تُغلق معها نافذة أمل جديدة لهذا الوطن المنهك.
العالم اليوم مطالبٌ لا بإدانة شكلية، بل بفعلٍ حقيقي.
لا يكفي أن “تُعربوا عن القلق”، فزمزم لا تحتاج عباراتكم، بل حمايتكم.
تحتاج عدالةً لا مؤتمرات. تحتاج أن تُمنَع عنها يدُ حليفكم، قبل أن تمدّوا لها أيديكم بالكلمات.
وأنا، سارة الطيب، من الذين اختبروا هذه الحرب وفواجعها ومواجعها، ودفعت ثمنها من كل ما أملك، أقول بثقة:
سيأتي الرد من فوق سبع سماوات.
لأن الله لا يخذل المظلومين، ولا يترك دموع الأمهات دون حساب.
الذين حرمتهم الحرب من الحياة، جاءتهم كلاب الجنجويد لتأخذ منهم حتى ما تبقى من أنفاس… لكنّ هذا الدم الطاهر، وإن سُفك، لن يذهب هدرًا.
وسيبقى زمزم، رغم كل شيء، صامدًا.
لأن صوت النساء، وإن خُنق اليوم، سيُسمع غدًا… في كل زاويةٍ من هذا العالم.