د.جادالله فضل المولي نقطة إرتكاز فرقعات البالونات

في زمن تتطاير فيه الطائرات المسيرة كما تتطاير البالونات في حفلات الأطفال، يبدو أن الخرطوم تحولت إلى ساحة ألعاب نارية، ولكن من النوع الذي لا يضحك أحد عليه. كل فرقعة في السماء ليست احتفالاً، بل إعلان إفلاس سياسي وعسكري وأخلاقي. المليشيا التي كانت تملأ الدنيا صراخاً وضجيجاًعن النصروالسيطرة باتت تكتفي بإرسال طائرات انتحارية، وكأنها تقول لم يتبقَ لنا سوى أن نُفرقع ونختفي.
الهدف؟ إشغال الناس عن الهزائم المتلاحقة في كردفان ودارفور، حيث تتساقط أوهام السيطرة كما تتساقط أوراق الخريف. يريدون أن يشتتوا انتباه الرأي العام، أن يزرعوا الرعب في قلوب من يفكر في العودة، أن يقولوا إن الخرطوم لم تعد آمنة، وكأنهم فجأة أصبحوا خبراء في الأمن والسلامة العامة. لكن الحقيقة أن من يفرقع البالونات لا يملك غير الهواء، ومن يطلق المسيرات لا يملك غير الفوضى.
ثم يأتيك بعض منسوبي النخبة السياسية من احزاب قحت ، أولئك الذين لا يفرقون بين الميكروفون والمنبر، ليعلنوا أن الخرطوم غير صالحة للعيش، وأن العودة ضرب من الجنون، وأن حياة الناس أهم من السياسة. جميل جداً، ولكن أين كانت هذه الحكمة عندما كانت المليشيا تقتلع المدن من جذورها؟ لماذا لا نسمع منهم إدانة واضحة؟ لماذا لا نراهم يوجهون أصابع الاتهام إلى من يزرع الموت؟ أم أن الفرقعة أصابت آذانهم بالصمم أم اتعبتهم الهزائم المتلاحقة؟.
هؤلاء لا يرون الخرطوم كما يراها أهلها، يرونها من خلف زجاج مظلل، عين على مصالحهم، وأخرى مغلقة عن الحقيقة. يتحدثون عن الأمن وكأنهم لم يشاركوا في صناعة الخوف، يتحدثون عن العودة وكأنهم لم يغلقوا الأبواب، يتحدثون عن حياة الناس وكأنهم لم يساوموا بها في صفقات السياسة.
الخرطوم ليست مدينة تنهار، بل مدينة تقاوم. كل فرقعة في سمائها تزيدها صلابة، كل محاولة لترويعها تجعلها أكثر عناداً. من قرر أن يعود لا يخاف من البالونات، ومن قرر أن يعيش لا يخاف من المسيرات. الخرطوم لا تُرهبها الطائرات، بل تُرهب من يرسلها. والناس لا يُخدعون بالتصريحات، بل يفضحونها الشعب السوداني وعي الدرس وانتهي زمن السواقه بالخلاء ياهؤلاء.
فرقعات البالونات لن تغير المعادلة، ولن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء. من يريد أن يفرقع الخرطوم سيجد نفسه في مواجهة شعب لا يُفرقع، بل ينفجر غضباً ووعياًوإصراراً. ومن يظن أن الخرطوم ستنهار تحت وطأة الطائرات، فليعلم أن الخرطوم لا تنهار، بل تنهض من تحت الركام، وتكتب تاريخها من جديد، دون حاجة إلى بالونات أو مطبلاتية.
الفرقعة الحقيقية ليست في السماء، بل في العقول التي تظن أن الخرطوم ستنسى، أو تتراجع، أو تخاف. الخرطوم لا تخاف، الخرطوم تضحك في وجه الموت، وتفرقع أوهام الطغاة كما تُفرقع البالونات في نهاية الحفل. الي الذين يرسلون المسيرات الانتحارية لتدمير البنية التحتية من تحاربون ولماذا تحاربون؟ افقرتم الشعب ومن يزرع الفوضى لايحصد الإ السراب وسيُجزّئ بمثلها. حفظ الله السودان وشعبه من كل فتنة ومن كل طامع في أرضه وكرامته.



