تتواصل فصول التصعيد الدموي في ولاية جنوب كردفان – إقليم جبال النوبة، مع لجوء تحالف الحركة الشعبية – جناح عبد العزيز الحلو وميليشيا الدعم السريع إلى استهداف المدنيين والأعيان المدنية، في نهج يعد الأكثر خطورة منذ اندلاع الحرب، حيث شهدت مدن كلوقي وكادقلي والدلنج خلال أسبوع واحد هجمات مباشرة طالت مستشفيات ومقار أممية ومؤسسات خدمية، وأسفرت عن سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى، معظمهم من الأطفال والنساء، في انتهاكات فاضحة للقانون الدولي الإنساني، ومخالفة واضحة لمواثيق الأمم المتحدة.
وجع الدلنج:
فلم تكد تجف دماء ضحايا استهداف مقر الأمم المتحدة بمدينة كادقلي يوم الجمعة، حتى عاود تحالف (الحلو – دقلو) يوم أمس الأحد هجومه على المدنيين، موجهاً ضربة جديدة عبر طائرة مسيّرة استهدفت مستشفى مدينة الدلنج، ما أدى إلى مقتل 7 مدنيين وإصابة 12 آخرين، ويأتي هذا الهجوم في سياق تصعيد متدرج يعتمد، للمرة الأولى، على استهداف مباشر للمؤسسات الطبية والخدمية، في محاولة واضحة لإرهاب السكان ودفعهم إلى مغادرة مناطقهم، بالتوازي مع تصاعد الشائعات التي تروّج لها غرف إلكترونية عن اقتراب ميليشيا الدعم السريع وقوات الجيش الشعبي التابعة للحركة الشعبية من اجتياح مدينتي كادقلي والدلنج، أكبر مدن ولاية جنوب كردفان وأكثرها كثافة سكانية.
سجل دموي مفتوح:
وكانت مدينة كلوقي قد شهدت، الأسبوع المنصرم، إحدى أبشع المجازر منذ اندلاع الحرب، بعد استهداف مستشفى وروضة أطفال، ما أسفر عن مقتل نحو 150 شخصاً، معظمهم من الأطفال، وإصابة 79 آخرين، في حادثة هزّت الضمير الإنساني وأعادت إلى الواجهة مخاطر نقل الحرب إلى الفضاءات المدنية الآمنة، وفي السياق ذاته، تعرض مقر الأمم المتحدة بمدينة كادقلي لهجوم بطائرات مسيّرة، أدى إلى مقتل 6 من الموظفين البنغلاديش الذين يعملون في الأمم المتحدة، الأمر الذي دفع بعض المنظمات الإنسانية ووكالات الأمم المتحدة إلى البدء في إجلاء موظفيها، وسط حالة نزوح متزايدة تشهدها المدينة المحاصرة.
انتهاك صارخ:
ويُعد استهداف المدنيين والأعيان المدنية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس ومقار المنظمات الدولية، مخالفةً قاطعةً لمواثيق الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني (قوانين الحرب)، التي تُلزم أطراف النزاع بالتفريق الواضح بين المقاتلين والمدنيين، وتفرض حماية السكان المدنيين والمنشآت المدنية من الهجمات المباشرة أو غير المتناسبة، وتحظر استخدام وسائل قتال تؤدي إلى أضرار جسيمة لا تبررها ضرورات عسكرية، وهو ما يضع هذه الهجمات في خانة جرائم الحرب التي لا تسقط بالتقادم، ولا يفلت مرتكبوها من العقاب.
إدانة سعودية:
وفي موقف إقليمي لافت، أعربت وزارة الخارجية السعودية عن إدانة المملكة واستنكارها الشديدين للهجوم الذي تعرض له مقر الأمم المتحدة في مدينة كادقلي، وأكدت الوزارة، في بيان رسمي، أن المملكة تشدد على ضرورة الوقف الفوري للحرب، والحفاظ على وحدة السودان ومؤسساته، وضرورة توفير الحماية للمدنيين، وتنفيذ ما تم التوقيع عليه في إعلان جدة بتاريخ 11 مايو 2023م، والمتعلق بالالتزام بحماية المدنيين في السودان، وأشار البيان السعودي إلى أن الهجوم الذي شنته قوات الدعم السريع بطائرات مسيّرة أسفر عن مقتل 6 من بنغلاديش، في وقت تشهد فيه المدينة نزوحاً سكانياً وبدء عمليات إجلاء لبعض العاملين في المنظمات الإنسانية، وذلك بعد يومين فقط من وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لقوات الدعم السريع بـ«القوات السيئة»، وما تبع ذلك من توتر في العلاقة بينها وبين المنظمة الدولية.
جريمة مكتملة الأركان:
ودان والي ولاية جنوب كردفان، محمد إبراهيم عبد الكريم، بشدة الاعتداءات المتكررة التي ظل ينفذها تحالف ميليشيا الدعم السريع والحركة الشعبية ضد المواطنين والأعيان المدنية في كلوقي وكادقلي والدلنج، ووصف الوالي في إفادته للكرامة هذه الهجمات «بالجريمة المكتملة الأركان» وانتهاك صارخ لقوانين الأمم المتحدة والقانون الدولي، داعياً الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية إلى إدانة هذه الاعتداءات المتكررة، وتصنيف هذه الميليشيات جماعات إرهابية، والعمل على تقديم قادتها ومنفذي هذه الجرائم إلى العدالة، وجدد الوالي التزام حكومته بحماية المنشآت الأممية والعاملين بها، وضمان عدم الإفلات من العقاب بحق الجناة، وفقاً للقانون الدولي.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر.. فإن هذه الهجمات المتكررة تجاه المدنيين والأعيان المدنية، تعكس انتقال تحالف (الحلو – دقلو) إلى مرحلة أكثر خطورة في مسار الصراع، تقوم على استهداف المدنيين كأداة حرب، وكسر الحاضنة المجتمعية عبر بث الرعب وتفريغ المدن من سكانها، ومع تزايد الإدانات الإقليمية والدولية، يظل السؤال مطروحاً حول فاعلية المجتمع الدولي في ترجمة بيانات الشجب إلى إجراءات رادعة، تضع حداً لنزيف الدم، وتحمي ما تبقى من الفضاءات الإنسانية الآمنة في ولاية جنوب كردفان – إقليم جبال النوبة بصفة خاص، والسودان على وجه العموم.
Leave a Reply