مقالات

*المبادرة التركية للتوسط بين السودان والإمارات.. حسابات الربح والخسارة..

المبادرة التركية للتوسط بين السودان والإمارات.. حسابات الربح والخسارة..

 

قراءة أولية : خاص كواليس 

 

تفاجأ المراقبون السياسيون للمشهد السوداني علي الصعيدين المحلي والإقليمي بتغريدة على موقع وكالة الأناضول التركية الناطقة بإسم السلطات في تركيا، ظهيرة الجمعة، والتي حوت عنواناً مفاده “أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أجرى اتصالاً هاتفياً برئيس مجلس السيادة الإنتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان يعرض من خلالها وساطة تركيا لحل الخلاف بين السودان والإمارات ، بغية إحلال السلام ، مع ضرورة الحفاظ على وحدة السودان وأمنه ومنعه من الانجراف نحو التقسيم..”

وبُعيد ساعات نشرت صفحة مجلس السيادة على منصة الفيسبوك خبراً عن المكالمة التاريخية الأهم منذ اندلاع الحرب في السودان، حوى الخبر مزيداً من التفصيل حول مكنون الاتصال ،إذ أشار الخبر الي أن الرئيس التركي هو من بادر بالإتصال على الرئيس البرهان، وأكد على جملة من النقاط المهمة التي تخدم مصالح السودان والمصالح المشتركة بين البلدين.. هذه النقاط يمكن تلخيصها في الآتي ..

 

⭕ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يجدد دعمه للسودان..

⭕ حرص تركيا على وحدة السودان واستقراره..

⭕استمرار المساعدات الإنسانية المقدمة من تركيا الي السودان..

⭕سيتم إستئناف عمل الخطوط التركية قريباً..

⭕الرئيس التركي يشدد على أهمية التعاون بين البلدين في مجالات الزراعة والتعدين..

⭕الرئيس أردوغان يعلن إستعداد بلاده للتوسط بين السودان الإمارات العربية المتحدة لإحلال الأمن والسلام في السودان..

 

هذه النقاط الست وبلا شك تمثل مكسباً كبيراً للسودان وشعبه ، مع ضرورة التعامل مع النقطة السادسة بحكمة بالغة تمكن من إنهاء التمرد وجناحه السياسي “مجموعة تقدم” بضربة واحدة..

 

⭕ *قراءة ما تحت سطور الاتصال الهاتفي للرئيس أردوغان..*

 

– اتصال الرئيس التركي أردوغان يؤكد أن الإمارات هي اللاعب المحوري في حرب السودان وأنها المسؤول الأول عن كل جرائم القتل والنهب والإبادة والإغتصاب التي عاناها شعب السودان منذ اندلاع هذه الحرب..

– أكد الإتصال على أن قرار إيقاف الحرب بيد الإمارات لا بيد مليشيا الدعم السريع ولا أي جهة أخرى، مما يؤكد أن حميدتي ومجموعة حمدوك أدوات فقط.. وذلك من خلال تحديد أطراف عملية الوساطة (السودان – الإمارات)

– الاتصال أكد على أن الغرض من المبادرة ضرورة الحفاظ على أمن السودان ومؤسساته ومنعه من التقسيم.. وهذه نقطة إيجابية بلا شك

– ضمناً.. والراجح أن الاتصال بالبرهان لن يتم الا بعد أخذ أردوغان ضوء أخضر من محمد بن زايد شخصياً وابداء رغبته في إيقاف الحرب في السودان وتمويله للمليشيا المتمردة وجناحها السياسي..

 

⭕ *هل تركيا مؤهلة لإيقاف الحرب في السودان ولعب دور الوسيط الحاسم؟*

 

لا جرم أن تركيا أردوغان لاعب محوري في السياسة الدولية والإقليمية ، وأن تركيا في عهد الخليفة العثماني أصبحت ضمن مجموعة العشرين الكبار، وذات الاقتصاد رقم 16 في العالم ، ولها من التأثير ما يكاد يفوق تأثير دول الإتحاد الأوروبي مجتمعة في كثير من الملفات في المنطقة ، لذا ولعدة أسباب تركيا هي الأنسب بلا منازع لايقاف حرب السودان وذلك وفق المعطيات الآتية..

 

– النجاح الكبير الذي حققه أردوغان بالإطاحة بنظام الأسد كأحد أعتى دكتاتوريات المنطقة، وإستبداله بنظام المعارضة المسلحة الموالية لتركيا، جعلت العالم محل ترحيب بهذه الخطوة، هذا التغيير الناعم مقارنة بكثير من التغييرات التي حدثت بالمنطقة يؤكد قدرة تركيا في إقناع المجتمع الدولي والشركاء اللصيقين بنظام الأسد “روسيا وايران”بضرورة التغير ، وهي نقطة فارقة في تاريخ السياسي الحديث بلا شك.. لأنها عززت الدور التركي في المنطقة كرقم يصعب تجاوزه.. إذ أن الجمع بين التناقضات في هذه العملية معقدة للغاية فمن الصعوبة بمكان أن يتم إقناع روسيا وإيران بالتخلي عن حليفهم التاريخي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى إقناع أمريكا وإسرائيل والسعودية بنظام إسلامي يصعد لسدة الحكم في سوريا.. هذه العملية جديرة بالتأمل والقراءة من زوايا عدة أهمها قدرة اللاعب التركي في المشهد برمته..

– توسط تركيا أردوغان في نزع فتيل الأزمة بين الصومال وإثيوبيا مؤخراً عبر وساطة تركية افضت الي توافق حول عدد من القضايا الخلافية بين البلدين..أفضت الي نزع فتيل الأزمة الذي كان ينذر بقيام حرب أخرى في القارة..

– الأهلية السياسية والثقافية والإقتصادية لتركيا، فضلاً عن كونها أحد المستعمرين للسودان ذات يوم، هذه العناصر الثلاث ترجح كفة نجاح المبادرة التركية..

– القبول الرسمي والشعبي الذي يتمتع به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لدى السودانين يعد عاملاً مهماً إذ أن تجارب السودان في كل الاتفاقيات والوساطات والمؤتمرات التي تأتي من دول الغرب تصنف بأنها غير محايدة وتدعم مشروع ثقافي “محدد” أكثر من رغبة في الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه ومؤسساته..

– معرفة تركيا بطبيعة ما يجري في السودان لذلك اختصرت الطريق وجعلت الوساطة بين السودان والإمارات مباشرة وليس بين الجيش و الدعم السريع أو مجموعة تقدم ، بخلاف كل المبادرات السابقة كمنبر جدة و جنيف والمنامة.. التي حرصت في مجملها على جعل الجيش والدعم السريع طرفان متساويان في هذه الحرب.. وهو الوصف الذي ظلت تروجه الآلة الإعلامية الغربية ويردده وكلاءها بالسودان (طرفي الصراع)..

 

هذه العوامل مجتمعة وغيرها ستجعل من فرص نجاح المبادرة أكبر من فشلها وتجعل من تركيا الشريك المؤثوق في لعب دور تاريخي في إيقاف حرب السودان بما يتوافق ورغبة السودانيين..

 

⭕*موقف حلفاء تقدم من مبادرة أردوغان ..*

 

الإتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس اوردغان برئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، سينزل على بريطانيا وفرنسا والاتحاد الأفريقي، كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق، يكاد يخطف أبصارهم وأسماعهم، فلم يكونوا متوقعين هذا الاختراق، سيما وأن المخابرات البريطانية التي تدير ملف السودان عبر بوابة حمدوك وخالد سلك ونصر الدين عبدالباري، أعدت العدة لجولة تآمرية ثانية بعد أن فشل مخططتها الأول في تمرير مشروع قرار نشر قوات أممية بالسودان عبر مجلس الأمن الدولي تحت غطاء العمل الإنساني ، فهي الآن تقف خلف مشروع “حكومة المنفى” الذي ستؤيده “ضمناً” وليس علناً فضلاً عن ترتيبها لإستضافة مؤتمر يجمع مجموعة تقدم و طيف واسع من منظمات المجتمع المدني السوداني الذين يمثلون الجناح الداعم لمليشيا الدعم السريع تحت غطاء جبهة مدنية عريضة ضد الحرب، هذا المؤتمر وجهت فيه الضغوط لمصر لاستضافته أو تحويله إلى لندن، ومن باب الذكاء المصري قبلت مصر بإستضافته حتى تتحكم في مخرجاته ويكون لها السهم الأكبر في إدارة ملف السودان من خلال التواصل مع كافة الأطراف..

 

قطعاً، مبادرة اوردغان ستمثل ازعاجاً غير مقبول بالنسبة لهم في هذا التوقيت، وبالتالي ستحرص الخارجية البريطانية وجهاز مخابراتها للتواصل مع تركيا أردوغان للتعرف على تفاصيل الوساطة ومدي تأثيرها على مشروعهم في السودان ووكلاءهم مجموعة “تقدم” ، وستسعى تلك الدوائر المظلمة لتغويض هذه المبادرة إن لم تتوافق ومخططتها من خلال التأثير على الجانب الإماراتي والمصري، فإستمرار الحرب في السودان يمثل مكسباً بالنسبة لهم وهو أفضل بكثير من أن يستقر السودان وأن يحكم من جهات لا تدين لهم بالولاء..

 

⭕*مبادرة اوردوغان ومجموعة تقدم..*

 

كشأن أسيادهم، تم سحب البساط تماماً من تحت أقدامهم، فبتدخل تركيا أردوغان، سيتم إقصاء التدخلات الغربية والروافع المخابراتية التي تستند عليها مجموعة حمدوك كرافعة قوية للرجوع لحكم السودان، فالعمالة و الارتزاق لا المشروع والشرعية والتأييد الشعبي تعتبر وسائل ذكية في قاموس وكتاب مدرسة تقدم ومن قبل قحت..

فتحديد أطراف الوساطة بالمبادرة يعني عملياً لا وجود لهم في أجندة المفاوضات والتسوية، هذه الخطوة ستربك تقديرات وحسابات مجموعة تقدم وتضعهم أمام امتحان حقيقي ، فهل ستصدر “تقدم” بيان ترحيبي بمبادرة اوردغان بإعتبارها مبادرة لإحلال السلام في السودان أم سيتم اعتبارها محاولة لإعادة انتاج الحركة الإسلامية عبر تسوية تقودها تركيا..؟

 

⭕*المطلوب الآن..*

المطلوب اغتنام الفرصة واتخاذها آلية لحسم التمرد وازياله بالقدر الذي يحقق مكاسب سياسية تضاف الي الرصيد العسكري..

فبعد الترحيب الذي أعلنه رئيس مجلس السيادة خلال الإتصال الهاتفي بمبادرة التوسط ، علي حكومة السودان إتخاذ الخطوات التالية..

– المضي قدماً في تحرير ولاية الجزيرة تماماً وتحرير مدينة بحري وفتح الطريق القومي بتحرير مدينتي ام روابة والرهد. فالتقدم العسكري خير رصيد تفاوضي على الميدان فالمعادلة طردية.. كلما تقدمت ميدانياً كلما كان صوتك أسمع.. والعكس..

– تكوين لجنة لصياغة رؤية حكومة السودان لدراسة مقترح التوسط ووضع مطلوبات تنفيذه ..ومن ثم الإجابة على ثلاثة أسئلة.. (ماذا تريد تركيا.. ماذا تريد الإمارات.. ماذا نريد نحن..)

– إرسال مبعوث لتركيا يحمل رد الموافقة على الوساطة التركية ولقاء الرئيس التركي ومدير المخابرات ووزير الخارجية..

– المقترح التفاوضي للتوصل الي وساطة ناجحة لابد أن يشمل رفع الإمارات يدها تماماً عن مليشيا الدعم السريع وتجميد حساباتهم المصرفية بالإمارات وارسالهم للسودان لمواجهة العدالة القانونية.. وضمان عدم استمراريتها مستقبلاً، في دعم أي فصيل سياسي أو عسكري بل والقضاء تماماً على مليشيا الدعم السريع بما يؤسس لمرحلة جديدة من تاريخ السودان خالية من الوجود المسلح للأفراد والجماعات عدا القوات النظامية..

– تسليم مجموعة تقدم المتواجدة بالإمارات للسلطات السودانية بإعتبارهم مطلوبين لدى العدالة.. ويتم محاكمتهم وفق قوانين جمهورية السودان..

– إلتزام الإمارات بإعادة إعمار السودان وتعويض الضرر للمتضررين جراء الحرب..

– إستضافة تركيا مؤتمر إعادة الإعمار..

– إشراك شركاء السودان وتنويرهم والاستماع لآراءهم (مصر.. قطر.. السعودية)

– تمليك الرأي العام السوداني بشكل مستمر عن مستجدات عمليات التفاوض..

 

*ختماً.. قطعاً بنجاح هذه المبادرة سيكون السودان هو الرابح وسيخسر أعداء السودان في الداخل والخارج*

*وماالنصر إلا من عند الله العزيز الحكيم 🇸🇩✌️*

شاهد عيان

منصة شاهد عيان الإلكترونية من المبادرات الحديثة التي تهدف إلى تمكين المواطنين من المشاركة في توثيق الأحداث والظواهر الاجتماعية والبيئية في مجتمعاتهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى